قِراءَةُ النَّصِّ

اَلسُّفُنُ الْغارِقَةُ

   اِسْتِكْشافُ السُّفُنِ الْغارِقَةِ

   قَدْ يُعْثَرُ أَحْيانًا عَلى حُطامِ السُّفُنِ الْغارِقَةِ مُصادَفَةً، كَما أَنَّ الْماءَ قَدْ يَجْرُفُ كُنوزًا إِلى الشّاطِئِ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَواتٍ طَويلَةٍ عَلى غَرَقِ السَّفينَةِ، أَوْ قَدْ يَعْثُرُ أَحَدُ مَراكِبِ الصَّيْدِ عَلى بَعْضِ الأشْياءِ الْعَتيقَةِ في شِباكِهِ. وَيَقومُ عُلَماءُ الآثارِ بِدِراسَةِ هٰذِهِ الْبَقايا؛ لِكَيْ يَكْشِفوا بَعْضَ أَسْرارِ الْماضي.

   بَيْدَ أَنَّ اكْتِشافَ مَعْلوماتٍ أَكْثَرَ عَنْ مَكانِ الْحُطامِ يَتَطَلَّبُ بَعْضَ مَهاراتِ التَّحْقيقاتِ الْبوليسِيَّةِ، فَقَدْ تُزَوِّدُنا بَعْضُ الْوَثائِقِ الْقَديمَةِ، الَّتي كُتِبَتْ في الْوَقْتِ الَّذي تَحَطَّمَتْ فيهِ السَّفينَةُ، بِبَعْضِ الْمَفاتيحِ الَّتي تُرْشِدُنا إِلى الْمَكانِ الَّذي تَحَطَّمَتْ فيهِ عَلى وَجْهِ التَّقْريبِ، وَلٰكِنْ لِكَيْ نُحَدِّدَ مَكانَ الْحُطامِ بِدِقَّةٍ تامَّةٍ يَنْبَغي الْقِيامُ بِمَسْحٍ دَقيقٍ لِقاعِ الْبَحْرِ، فَإِذا كانَ الْماءُ صافِيًا، وَعُمْقُهُ لَيْسَ كَبيرًا، تَمَكَّنَ الْغَوّاصونَ مِنَ الْبَحْثِ عَنِ الْحُطامِ، وَهُمْ يَسْتَخْدِمونَ لِذٰلِكَ أَجْهِزَةً خاصَّةً تُسَمّى رِئَةَ الْماءِ أَوْ رِئَةَ الْغَوّاصِ (جِهازَ التَّنَفُّسِ تَحْتَ الْماءِ)؛ لِكَيْ يَتَنَفَّسوا تَحْتَ الْماءِ. أَمّا إِذا كانَ الْبَحْرُ عَميقًا وَمُظْلِمًا فَإِنَّهُمْ يَسْتَخْدِمونَ مِقْياسَ الْعُمْقِ الصَّوْتِيِّ (مِسْبارَ الصَّدى) أَوْ مِكْشافاتِ الْمَعادِنِ.

 


   لَقَدْ كانَتِ الْبَحْرِيَّةُ الْفَرَنْسِيَّةُ أَوَّلَ مَنْ نَقَّبَ في أَحَدِ الْمَواقِعِ تَحْتَ الْماءِ. وَكانَ يَقودُهُمْ "جاك إيف كوستو"، أَحَدُ الَّذينَ اخْتَرَعوا رِئَةَ الْماءِ.

   وَفي عامِ 1965 عَثَرَ أَحَدُ الرِّجالِ الَّذينَ كانوا يَغوصونَ بَحْثًا عَنِ الإسْفَنْجِ مُصادَفَةً عَلى بَعْضِ الْجِرارِ الْفَخّارِيَّةِ الْقَديمَةِ. وَكانَتْ تِلْكَ الْجِرارُ هِيَ حُمولَةَ سَفينَةٍ قَديمَةٍ غارِقَةٍ. فَعَرَضَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْجِرارَ الَّتي وَجَدَها عَلى أَحَدِ عُلَماءِ الآثارِ، وَاصْطَحَبَ عالِمَ الآثارِ فَريقٌ مِنَ الْغَوّاصينَ؛ لِيَسْتَكْشِفوا الْحُطامَ. وَفي الْبِدايَةِ قاموا بِبِناءِ شَبَكَةٍ مِنَ الأنابيبِ البلاسْتيكِيَّةِ الْمُتَعامِدَةِ فَوْقَ الْحُطامِ، ثُمَّ قاموا بِرَسْمِ كُلِّ شَيْءٍ وَجَدوهُ في الْحُطامِ وَمَوْقِعِهِ عَلى الشَّبَكَةِ، وَبِذٰلِكَ تَمَكَّنوا مِنْ بِناءِ صورَةٍ كامِلَةٍ لِلْحُطامِ. وَمِنْ شَكْلِ الْجِرارِ تَمَكَّنَ عالِمُ الآثارِ مِنْ تَحْديدِ مَصْدَرِ الْبَضائِعِ، فَعَرَفَ أَنَّهُ لا بُدَّ أَنَّ السَّفينَةَ كانَتْ مُبْحِرَةً مِنَ الْيونانِ إِلى قُبْرُصَ، عِنْدَما غَرِقَتْ. وَقَدْ وَجَدَ الْغَوّاصونَ ثَوْمًا، وَنُوى زَيْتونٍ، وَبُذورَ عِنَبٍ وَتينٍ، مِمّا يَدُلُّ عَلى أَنَّ الْبَحّارَةَ كانوا يَتَغَذَّوْنَ جَيِّدًا في أَثْناءِ رِحْلَتِهِمْ. كَذٰلِكَ وَجَدَ الْغَوّاصونَ الْقَليلَ مِنَ الْعُمْلاتِ الْبرونْزِيَّةِ. وَمِنَ التّاريخِ الْمُدَوَّنِ عَلى تِلْكَ الْعُمْلاتِ تَمَكَّنَ عالِمُ الآثارِ مِنْ تَحْديدِ الْوَقْتِ الَّذي غَرِقَتْ فيهِ السَّفينَةُ، وَالَّذي يَنْبَغي أَنْ يَكونَ حَوالي عامِ 300 قَبْلَ الْميلادِ.

   وَلٰكِنْ لِماذا غَرِقَتِ السَّفينَةُ؟ لَقَدْ وَجَدَ الْغَوّاصونَ تَحتَ جِسْمِ السَّفينَةِ ثَمانِيَةَ رِماحٍ حَديدِيَّةٍ، وَلٰكِنَّهُمْ لَمْ يَجِدوا أَيَّةَ رِماحٍ عَلى السَّطْحِ. وَوَجَدوا أَيْضًا عَدَدًا قَليلًا جِدًّا مِنَ الْعُمْلاتِ الْمَعْدَنَيَّةِ. فَمِنَ الْمُحْتَمَلِ إِذَنْ أَنْ تَكونَ السَّفينَةُ قَدْ هاجَمَها الْقَراصِنَةُ الَّذينَ اسْتَوْلَوْا عَلى كُلِّ النُّقودِ، ثُمَّ أَغْرَقوها.


   اَلسَّفينَةُ "ماري روز"

   وَقَفَ الْمَلِكُ "هِنْري" الثّامِنُ مَلِكُ "إِنْجِلْترا"، وَقَدْ أَحاطَتْ بِهِ حاشِيَتُهُ، عَلى الشّاطِئِ مُنْتَظِرًا. فَقَدْ تَجَمَّعَ الأسْطولُ الإنْجليزِيُّ في "بورتْسماوْث"؛ لِيوقِفَ الْغَزْوَ الْفَرَنْسِيَّ، وَلَمْ يَكُنْ هُناكَ أَيُّ نَسيمٍ طيلَةَ الصَّباحِ؛ لِذٰلِكَ بَقِيَتِ السُّفُنُ الشِّراعِيَّةُ الإنْجليزِيَّةُ ساكِنَةً في الْميناءِ دونَ حِراكٍ.

   ثُمَّ جَلْجَلَتْ صَيْحَةٌ مُدَوِّيَةٌ، فَقَدْ كانَتْ قَواديسُ الأسْطولِ الْفَرَنْسِيُّ تُجَدِّفُ ناحِيَةَ السُّفُنِ الإنْجليزِيَّةِ الْعاجِزَةِ؛ لِتَخْتَرِقَها. وَلٰكِنْ، وَفي الْوَقْتِ الْمُناسِبِ تَمامًا، هَبَّ النَّسيمُ، وَأَبْحَرَ الأسْطولُ الإنْجليزِيُّ؛ لِيُلاقِيَ الْفَرَنْسِيّينَ.

 


   وَلٰكِنَّ "ماري روز" سَفينَةَ الْعَلَمِ الإنجليزِيَّةَ الْقائِدَةَ، قَدْ أَدْرَكَتْها الرّيحُ الْمُفاجِئَةُ، فَاسْتَدارَتْ بِحِدَّةٍ، وَجَنَحَتْ بِمُؤَخِّرَتِها في الْماءِ، وَمالَتِ السَّفينَةُ عَلى أَحَدِ جانِبَيْها، حَيْثُ كانَتْ نَوافِذُ مَدافِعِها مَفْتوحَةً مُتَأَهِّبَةً لِلْمَعْرَكَةِ، فَتَدَفَّقَ الْماءُ سَريعًا إِلى داخِلِها، وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلى الشّاطِئِ، يَرْقُبُ مُرْتاعًا السَّفينَةَ "ماري روز" وَهِيَ تَغْرَقُ في الْماءِ. لَقَدْ حَدَثَ ذٰلِكَ في التّاسعَ عَشَرَ مِنْ تَمّوزَ عامَ 1545 م.

   وفي عامِ 1982 م رُفِعَتِ السَّفينَةُ "ماري روز" مِنَ الْماءِ، بَعْدَ أَنْ ظَلَّتْ في قاعِ الْبَحْرِ حَوالي 450 عامًا. وَهِيَ الآنَ مَعْروضَةٌ في مُتْحَفِ ميناءِ "بورْتسماوْث"، حَيْثُ أُجْرِيَتْ لَها بَعْضُ التَّرْميماتِ وَالإصْلاحاتِ. وَقَدْ وَجَدوا في داخِلِها الْكَثيرَ مِنَ الْمُتَعِ وَالأسْلِحَةِ وَالْمَدافِعِ.


   اَلسَّفينَةُ الَّتي لا تَغْرَقُ

   لَقَدْ شَقَّتِ السَّفينَةُ "تَيْتانِكْ" الَّتي لا تَغْرَقُ طَريقَها؛ لِتَمْخُرَ عُبابَ مِياهِ شَمالِ الأطْلَنْطي. وَكانَتْ تِلْكَ هِيَ الرِّحْلَةَ الأولى لِهٰذِهِ الْباخِرَةِ، الَّتي كانَتْ تُعَدُّ أَضْخَمَ الْبَواخِرِ الْعابِرَةِ لِلْمُحيطِ وَأَفْخَرِها عَلى الإطْلاقِ، وَقَدْ أَبْحَرَتْ مِنْ إِنْجِلْترا إِلى أَمْريكا، وَعَلى مَتْنِها ما يَرْبو عَلى أَلْفَيْ شَخْصٍ.

   لَقَدْ أَمْضى الرُّكّابُ فيها أَرْبَعَةَ أَيّامٍ، وَهُمْ يَتَمَتَّعونَ في جَوٍّ مِنَ الْبَهْجَةِ وَالسُّرورِ، وَقَبْلَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ بِقَليلٍ في الْعاشِرِ مِنْ نيسانَ عامَ 1912 م شاهَدَ مُراقِبُ السَّفينَةِ خَيالًا مِنْ بَعيدٍ؛ لِيَتَبَيَّنَ بَعْدَهُ أَنَّهُ جَبَلٌ مِنْ جَليدٍ، فَما أَنْ وَصَلَتِ الأخْبارُ إِلى قُبْطانِ السَّفينَةِ، وَإِذْ بِالْباخِرَةِ "تَيْتانِكْ" تَمُرُّ بِالْقُرْبِ مِنْ هٰذا الْجَبَلِ. وَهُناكَ كانَ صَوْتُ احْتِكاكٍ طاحِنٍ، فَارْتَجَّتِ السَّفينَةُ بِشِدَّةٍ. وَفي الْحالِ أَسْرَعَ مَلّاحو السَّفينَةِ خِلالَ الْمَمَرّاتِ لِيوقِظوا الْمُسافِرينَ وَيُساعِدوهُمْ عَلى لِبْسِ أَطْواقِ النَّجاةِ، وَلٰكِنْ لَمْ يَكُنْ هُناكَ عَدَدٌ مِنْ زَوارِقِ النَّجاةِ يَتَّسِعُ إِلّا لِنَحْوِ نِصْفِ عَدَدِ مَنْ كانوا عَلى ظَهْرِ السَّفينَةِ.

   وَبَيْنَما كانَتْ زَوارِقُ النَّجاةِ الْمُزْدَحِمَةُ بِالنّاجينَ تَنْسَحِبُ بَعيدًا عَنِ السَّفينَةِ الْغارِقَةِ، مالَتْ مُؤَخَّرَةُ السَّفينَةِ إِلى أَعْلى، ثُمَّ أَخَذَتْ تَنْزَلِقُ بِلُطْفٍ تَحْتَ السَّطْحِ الثَّلْجِيِّ. وَلَمْ يَنْجُ مِنْ رُكّابِها سِوى سَبْعِمائِةٍ وَخَمْسَةِ أَشْخاصٍ.

 

  • قلم التحديد
  • ممحاة